فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
ويبين المولى في هذه الآية أن هؤلاء المشركين قد كفروا بالله وصرفوا المال ليصدوا عن سبيل الله فلم يتحقق لهم ما أرادوا ولم يأت ذلك الأمر بأدنى نتيجة، وكأن الحق يغري الكافر بأن يتمادى في الإنفاق ضد الإيمان، فيخسر الكافر ماله ويتجرع آلام الحسرة؛ لأن الله يغلبه من بعد ذلك.
وحين سمعوا قول الله سبحانه وتعالى: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
لم ينتبهوا إلى أن الحق سبحانه يتحدث عن المستقبل، وأنه مهما أنفق الكفار ضد دين الله فلن يصلوا إلى أية نتيجة، ومصداق الأحداث يؤكد أن كلَّ ما يجيء به القرآن الكريم حق.
ولماذا لم ينتبهوا إلى ذلك؟ ولم يدخروا أموالهم؛ وقد نصر الله دينه؟.
إذن هذا هو فعل من فقد البصيرة والذكاء. وحين يأتي القرآن الكريم بقول الله تعالى: {فسينفقونها} أي أن الإنفاق سيكون في المستقبل، والاستقبال له مرحلتان؛ استقبال قريب، واستقبال بعيد. فإن كان الاستقبال قريبًا فهو يقول: {فسينفقونها}، وأما إن كان بعيدًا فيقول: فسوف ينفقونها مثلما قال القرآن أيضًا: {سَيَقُولُ السفهاء مِنَ الناس مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: 142].
وقد أعلمنا القرآن صلاة من رسول الله، وجهرا من الصحابة بالخبر، وأعلمهم القرآن الكريم أيضا، ولكنهم لم يلتفتوا إلى التحذير الذي صار من بعد ذلك خبرًا يروي دليل افتقادهم لصفاء الفطرة.؛ لذلك تجيء لهم الحسرة بعد أن أنفقوا المال، وخسروه فلم يستفيدوا شيئًا ولم يحققوا مرادهم ولا آمالهم. ويتابع سبحانه وتعالى تذييل هذه الآية فيقول: {والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وحينما يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن الأمور التي تحدث للكفار من عذاب عظيم في جهنم، فسبحانه لا يريد بهذا الحديث أن يجعل مأواهم النار، لكنه يخوفهم ويرهبهم من الكفر ويدعوهم إلى الإيمان، ويحضهم على ألا يكونوا كافرين حتى لا يحشروا في جهنم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}
يرومون بإنفاقهم صنوفَ أموالهم صلاحًا ونظامًا لأحوالهم، ثم لا يَحْظَوْن إلا بخسران، ولا يحصلون إلا على نقصان. خَسِروا وهم لا يشعرون، وخابوا وسوف يعلمون:
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ ** أَفَرَسٌ تحتك أم حِمارُ؟

قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهُنَّمَ يُحْشَرُونَ} إنَّهم وإن أَلْهَتْهُم أموالُهم فإلى الهوان والذِّلة مآلُهم، لم تُغْنِ عنهم أموالهُم، ولم تنفعهم أعمالُهم، بل خُتِمَتْ بالشقاوة أحوالُهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (37):

قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر حشر الكافرين ذكر علته فقال معلقًا بيحشرون: {ليميز الله} أي الذي له صفات الكمال بذلك الحشر {الخبيث من الطيب} أي إنما جعل للكفار دارًا تخصهم ويخصونها لإظهار العدل والفضل بأن يميز الكافر من المؤمن فجعل لكل دار يتميز بها عدلًا في الكافرين وفضلًا على المؤمنين، فيجعل الطيب في مكان واسع حسن {ويجعل الخبيث} أي الفريق المتصف بهذا الوصف {بعضه على بعض} والركم: جمع الشيء بعضه فوق بعض، فكأن قوله: {فيركمه جميعًا} عطف تفسير يؤكد الذي قبله في إرادة الحقيقة مع إفهام شدة الاتصال حتى يصير الكل كالشيء الواحد كالسحاب المركوم، والنتيجة قوله: {فيجعله في جهنم} أي دار الضيق والغم والتهجم والهم.
ولما كان هذا أمرًا لا فلاح معه، استأنف قوله جامعًا تصريحًا بالعموم: {أولئك} أي البعداء البغضاء الذين أفهمهم اسم الجنس في الخبيث {هم الخاسرون} أي خاصة لتناهي خسرانهم، لأنهم اشتروا بأموالهم إهلاك أنفسهم بذلك الحشر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} فيه قولان:
القول الأول: ليميز الله الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيب من المؤمنين فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا وهو عبارة عن الجمع والضم حتى يتراكموا كقوله تعالى: {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا} [الجن: 19] يعني لفرط ازدحامهم فقوله: {أولئك} إشارة إلى الفريق الخبيث.
والقول الثاني: المراد بالخبيث نفقة الكافر على عداوة محمد، وبالطيب نفقة المؤمن في جهاد الكفار، كإنفاق أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام فيضم تعالى تلك الأمور الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنم ويعذبهم بها كقوله تعالى: {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] واللام في قوله: {لِيَمِيزَ الله الخبيث} على القول الأول متعلق بقوله: {يُحْشَرُونَ} والمعنى أنهم يحشرون ليميز الله الفريق الخبيث من الفريق الطيب، وعلى القول الثاني متعلق بقوله: {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} ثم قال: {أولئك هُمُ الخاسرون} وهو إشارة إلى الذين كفروا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} يعني الخبث من العمل والطيب من العمل، {وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ}؛ قول الكلبي، وقال مقاتل: ليميز الله الكافرين من المؤمنين، ويجعل في الآخرة الخبيثة أنفسهم ونفقاتهم وأقوالهم، فيركم بعضه على بعض جميعًا، فيجعله في جهنم؛ ويقال: ليميز الله الخبيث من الطيب بين نفقة المؤمنين ونفقة المشركين، فيقبل نفقة المؤمنين ويثيبهم على ذلك، ويجعل نفقة الكفار وبالًا عليهم؛ ويجعل ذلك سببًا لعقوبتهم، فتكوى بها جباههم.
وقال القتبي: فيركمه، أي يجعله ركامًا بعضه على بعض.
ثم قال: {أولئك هُمُ الخاسرون}، أي المغبونون في العقوبة.
قرأ حمزة والكسائي {لِيَمِيزَ الله} بضم الياء مع التشديد، والباقون {لِيَمِيزَ} بالنصب مع التخفيف؛ ومعناهما واحد.
مَازَ يُميِزُ وَمَيَّزَ يُمَيِّزُ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لِيَمِيزَ الله} بذلك الحشر {الخبيث مِنَ الطيب} الكافر من المؤمن فيدخل الله المؤمن الجنان والكافر النيران.
وقال الكلبي: يعني العمل الخبيث من العمل الطيب الصالح فيثيب على الأعمال الصالحة الجنّة ويثيب على الأعمال الخبيثة النار.
قرأ أهل الكوفة والحسن وقتادة والأعمش وعيسى: {لِيَمِيزَ الله} بالتشديد.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
وقال ابن زيد: يعني الإنفاق الطيب في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان فجعل نفقاتهم في قعر جهنم ثمّ يقال لهم: الحقوا بها.
وقال مرّة الهمداني: يعني يميز المؤمن في علمه السابق الذي خلقه حين خلقه طيبًا من الخبيث الكافر في علمه السابق الذي خلقه خبيثًا، وذلك أنّهم كانوا على ملة الكفر فبعث الله الرسول بالكتاب ليميّز الله الخبيث من الطيب فمن أطاع استبان أنّه طيب ومن خالفه استبان أنّه خبيث {وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ} بعضه فوق بعض {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أي يجمعه حتّى يصيّره مثل السحاب الركام وهو المجتمع الكثيف {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} فوحد الخبر عنهم لتوحيد قول الله تعالى: {لِيَمِيزَ الله الخبيث} ثمّ قال: {أولئك هُمُ الخاسرون} فجمع، رده إلى أول الخبر، يعني قوله: {الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} {أولئك هُمُ الخاسرون} الذين غنيت صفقتهم وخسرت تجارتهم لأنّهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
فيه وجهان:
أحدهما: الحلال من الحرام.
الثاني: الخبيث ما لم تخرج منه حقوق الله تعالى، والطيب: ما أخرجت منه حقوق الله تعالى.
يحتمل ثالثًا: أن الخبيث: ما أنفق في المعاصي، والطيب: ما أنفق في الطاعات.
{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} أي يجمعه في الآخرة وإن تفرق في الدنيا {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أي يجعل بعضه فوق بعض، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور: 43].
وفي قوله تعالى: {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} وإن كانت الأموال لا تعذّب وجهان:
أحدهما: أن يجعلها عذابًا في النار يعذبون بها، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35] الآية.
الثاني: أنه يجعل أموالهم معهم في جهنم لأنهم استطالوا بها وتقووا على معاصي الله فجعلها معهم في الذل والعذاب كما كانت لهم في الدنيا عزًا ونعيمًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
وقرأ ابن كثير ونافع عاصم وأبو عمرو وابن عامر {ليَمِيز} بفتح الياء وكسر الميم، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة بن نصاح وشبل وأبي عبد الرحمن والحسن وعكرمة ومالك بن دينار، تقول مزت الشيء، والعرب تقول مزته فلم يتميز لي، حكاه يعقوب وفي شاذ القراءة وانمازوا اليوم، وأنشد أبو زيد: [البسيط]
لما ثنى الله عني شرَّ عدوتِهِ ** وانمزت لا منشئًا ذعرًا ولا وجلا

وهو مطاوع ماز، وقرأ حمزة والكسائي {ليُمَيّز} بضم الياء وفتح الميم وشد الياء، وهي قراءة الأعرج وطلحة بن مصرف والأعمش والحسن أيضًا عيسى البصري، تقول ميزت أميز إذا فرقت بين شيئين فصاعدًا، وفي القرآن {تميز من الغيظ} [الملك: 8] فهو مطاوع ميز ومعناه تتفصل، وقال ابن عباس رضي الله عنه والسدي، المعنيّ ب {الخبيث} الكفار وب {الطيب} المؤمنون.
قال القاضي أبو محمد: واللام على هذا التأويل من قوله: {ليميز} متعلقة ب {يحشرون} [الأنفال: 36] والمعنى أن الله يحشر الكافرين إلى جهنم ليميز الكافرين من المؤمنين بأن يجمع الكافرين جميعًا فيلقيهم في جهنم، ثم أخبر عنهم أنهم هم الخاسرون أي الذين خابت سعايتهم وتبت أيديهم وصاروا إلى النار، وقال ابن سلام والزجّاج: المعنيّ ب {الخبيث} المال الذي أنفقه المشركون في الصد عن سبيل الله، و{الطيب} هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد: واللام على هذا التأويل من قوله: {ليميز} متعلقة ب {يغلبون} [الأنفال: 36]، والمعنى: الكفار ينفقون أموالهم فتكون عليهم حسرة ثم يغلبون مع نفقتها، وذلك ليميز الله الفرق بين الخبيث والطيب فيخذل أهل الخبيث وينصر أهل الطيب، وقوله تعالى على هذا التأويل: {ويجعل الخبيث بعضه على بعض} إلى قوله: {في جهنم} مترتب على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يخرج من الأموال ما كان صدقة أو قربة يوم القيامة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار، وحكى الزهراوي عن الحسن أن الكفار يعذبون بذلك المال، فهي كقوله: {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} [التوبة: 35] وقاله الزجّاج: وعلى التأويلين فقوله: {ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا} إنما هي عبارة عن جمع ذلك وضمه وتأليف أشتاته وتكاثفه بالاجتماع، و{يركمه} في كلام العرب يكثفه، ومنه سحاب مركوم وركام، ومنه قول ذي الرمة: [البسيط]
زع بالزمام وجوز الليلِ مركومُ

وقوله: {ويجعل الخبيث} بمعنى يلقي، قاله أبو علي، {أولئك هم الخاسرون} على هذه التأويل يراد المنافقون من الكفار، ولفظة الخسارة تليق بهم من جهة المال وبغير ذلك من الجهات. اهـ.